أن تكون فسلطيني تعيش في غزة المحاصرة منذ ولادتك ولا تعرف سوى حدود قطاع غزة البقعة الصغيرة من الوطن الكبير فلسطين هذا يعني أنك أيضا لم تعرف عن البلدان العربية والأجنبية سوى ما تشاهده في شاشات التلفزة ومواقع التواصل الاجتماعية وفكرة التنقل والسفر هي حلم كبير يحتاج منك قبل المال صبرا كبير حتى تتمكن من الحصول على تأشيرة للسفر والكثير من الإجراءات والأوراق ومن حسن حظي أنني في عمر الثلاثين خرجت من القطاع في تجربة أولى وجديدة لاكتشاف ثقافات مختلفة ومتنوعة اكبر من الحدود كلها اجتمعت في أم الدنيا مصر.

بدأت فكرة السفر في عقلي في عام 2018 لاستكمال الدراسة في بلد عربي من خلال منح تقدمها وزارة التربية والتعليم وتقدمت أكثر من مرة ولكن لم يحالفني الحظ وأصبح جواز سفري مركون فوق رف داخل شقتي حتى جاء يوم تواصل فيه صديقي أشرف العفيفي المدير الفني لفريق تغريده يخبرني بأن لدينا فرصة لسفر إلى بريطانيا لتلقي تدريب مسرحي وعلينا البدء بتجهيز الأوراق الخاصة بالسفر حينها بدأت أتخيل نفسي أركب الطائرة وامشي في شوارع لندن وباشرنا العمل على إتمام الأوراق وقابلنا في مركز القنصلية البريطانية في غزة خلال شهر يوليو ومضي وقت طويل حتى جاء الرد من القنصلية برفض طلبنا للحصول على تأشيرة حينها شعرت بأني أخطأ حينما رسمت في عقلي الرحلة والأماكن ودخلت في حالة يأس وحزن كبير لعدم الحصول على هذه الفرصة ولكن بسبب إصرار المدير الفني للفريق والشابة العاملة في المجلس البريطاني(روزا) وهى الداعمة لأفكارنا الفنية خاصة بعد مهرجان برزخ عام 2021 تم تحويل فكرة التدريب ومكان التدريب لمصر ضمن مهرجان وسط البلد للفنون المعاصرة حينها بدأنا على وجه السرعة بتجهز الأوراق والتنسيق للسفر وخلال أسبوع تم ادراج أسمانا ضمن كشوفات المسافرين وجهزت شنطة السفر ووصلت إلى معبر رفح البري مع زملائي وأنا أقول في نفسي لا تفرح من الممكن أن يتم رفضك من قبل المصريين ولكن دخلت الجانب المصري واشريت التأشيرة وسجلت عنوان الفندق الذي سوف نقيم فيه وسلمت الجواز للضابط المصري في صالة الانتظار وقضيت 4 ساعات حتى استلمت الجواز وركبت الباص من رفح المصرية واكتشفت أن هناك عالم أكبر من غزة وقضيت نصف يوم وأنا في السيارة حتى ميدان طلعت حرب في وسط البلد بالقاهرة.

للوهلة الأولي انبهرت من كبر مساحة مصر ومن كمية الإضاءة في المدينة خلال الليل ومن سرعة السيارات وصلت القاهر في الساعة الثانية صباحا وصلت للفندق الذي كان بالنسبة لي كالخيال لجمال تصميمه وفخامة ما فيه من أثاث ولوحات فنية ودخلت غرفتي لأستريح من عناء الطريق ومنذ ساعات الصباح الأولي خرجت من الفندق لمشاهدة المدينة كانت الشوارع واسعة والمباني ضخمة وكبيرة كأني في أوروبا ومع بدء خروج الناس للشارع قابلت العربي والأجنبي ورأيت الهندي والصيني في المدينة كل شيء كان يدهشني كالطفل الذي خرج من غرفته التي يألفها لعالم جديد وكبير كنت أشعر بالفرح ولكن كان في داخلي غصة وسؤال لماذا لا نستطيع السفر بحرية لمشاهدة هذا الجمال ولماذا لا يوجد في مدينتي سوى الحرب والقصف والطائرات الزانة فوق رؤوسنا.

عدت للفندق وتناولت الفطور مع زملائي في الفريق وبعدها توجهنا لمركز العباسية لختم الجواز وقضينا اليوم الأول في مشاهدة المدينة والتعرف عليها وتواصلنا مع فريق دي كاف لمعرفة المكان الخاص بالتدريب وفي اليوم الثاني بدأت جولة التدريب مع قدوم ستيف من لندن وتوجهنا سوية لاستديو عماد الدين ودخلت القاعة مع مجموعة من الشباب المصرين بدأنا اليوم بألعاب التعارف والثقة وألعاب الخيال وسرنا بعد التدريب نستكشف المدينة في الليل وفي اليوم الثاني وصلت المدربة الثانية ريتشل وخضنا التدريب مع تعلم أسلوب جديد من مدارس المسرح وأصبحت أيام التدريب الباقية مقسمة بين المدربين وبعد انتهاء أيام التدريب بدأت جولة العروض المسرحية المشاركة في المهرجان من بلدان عربية مختلفة وشاهدت عروض فنية خاصة بالرقص التعبيري والمعاصر ومن خلالها تعرف على أن الفن في غزة يحتاج إلى تطوير وتحرير من قيود كبيرة ليصبح ذو جودة وثقافة مجتمعية لا تقتصر فقط على الفنانين أنفسهم.

إضافة إلى ذلك شاركت في الأيام الخاصة بجلسات النقاش مع الداعمين للفنانين في الشرق الأوسط وطرح المشكلات التي يواجها الفنانين على صعيد الإنتاج او التجوال وطرق تعزيز الشراكة وحل المشكلات والتغلب على التحديدات في مختلف المناطق ومعرفة قنوات التواصل مع الممولين، تعرفت أيضا على ممثلين شاركوا بالمهرجان من فلسطين واحسست بالفجر لوجود فلسطينيين يقدمون عرض فنى جميلة يعبر عن هويتا ومعانتا بطريقة فنية وابداعية جديدة، بكل صدق أصبحت اشعر برغبة كبيرة في ان تكون خطوتنا القادمة تقديم عرض فني ومسرحي من قبل طاقم ممثلين فريق تغريده ضمن مهرجان دي كاف وهذا حلم سوف يتحقق مثل ما تحقق حلم سفري إلى بلد أخر وشكرا للمجلس البريطاني الداعم لنا وشكرا ل روزا التي وقفت بجانبنا وكانت خطوة بخطوة معنا من البداية وهذه التجربة لكن تكون الأخيرة على صعيدي الشخصي.

محمود البلبيسي